في أعقاب كلحرب، تبرز تحديات كبيرة، من أبرزها عملية إعادة الإعمار، لأن الحرب لا تدمّر فقط الأرواح البشرية، بل تدمر أيضًا البنية التحتية والعمرانية، تاركة وراءها مدنًا مهدّمة، ومنازل مدمّرة، ومرافق عامة عاجزة عن تلبية احتياجات السكان.

في بعض الأحيان، لا يكون الحل فقط بإزالة الأبنية المهدّمة وإنشاء أخرى بديلة، بل قد يكون الحل أيضًا بترميمها أو تدعيمها وإعادة استخدامها مرة أخرى. فعملية التدعيم تهدف إلى زيادة كفاءة المنشآت الخرسانية، وتعني إجراء التعديلات اللازمة على العناصر الإنشائية بغرض زيادة قدرتها على التحمل، لتقاوم الإجهادات التي سيتعرض لها المنشأ الخرساني بأمان كافٍ.

كما تساعد هذه العملية في زيادة استيعاب المنشآت الخرسانية دون الحاجة إلى استهلاك أو إنتاج كميات كبيرة من الخرسانة، وبالتالي فإنالتدعيم يُعد من الوسائل التي تسهم في تقليل إنتاج الخرسانة وتعزز مبدأ الاستدامة.ومن أهم العناصر الحاملة في البناء، والتي يتوقف عليها استقرار المنشأة، هي الأعمدة؛ لذلك لا بد من دراسة دقيقة وتنفيذ احترافي لعملية التدعيم في هذا العنصر الحيوي.وأيضًا توجد أسباب أخرى تستدعي تدعيم الأعمدة

-زيادة الأحمال عن الأحمال التي تم تصميم المنشأ عليها:

قد تتغيروظيفة المنشأ الذي تم إنشاؤه، مما يؤدي إلى زيادة الأحمال المطبقة على الأعمدة.

مثال: تحويلالمبنى من سكني إلى تجاري، أو زيادة عدد الطوابق، وهذه الظاهرة شائعة بكثرة فيبلادنا.

2-وجود أحمال لم تُؤخذ بعين الاعتبار أثناء التصميم، أو وجود أخطاء في التصميم:

قد تؤدي هذهالعيوب إلى ظهور تشققات أو تصدعات نتيجة نقص أبعاد المقاطع الخرسانية أو نقص فيكميات فولاذ التسليح المُستخدمة.

فأحيانًا قديتحمل المنشأ حملاً استاتيكياً معينًا، لكنه لا يستطيع مقاومة الأحمال الديناميكيةإن تعرض لها.

3- الحريق:

تعرض العنصرلدرجات حرارة عالية لمدة كافية يؤدي إلى تلف الغطاء الخرساني وتأثر قضبان فولاذالتسليح بفعل الحرارة.تُظهر الخرسانة المصنوعة من الركامالكلسي أداءً أفضل عند التعرض للحريق مقارنةً بالخرسانة المصنوعة من الركامالسيليسي، سواء من حيث:درجة الحرارة التي تتحملها الخرسانة معالمحافظة على مقاومتها، أو معدل نقصان المقاومة مع ارتفاع درجة الحرارة، أو معاملالتمدد الطولي الحراري، أو تفتت الغطاء الخرساني عند التعرض للحرارة، خاصة عندمايزيد سمك هذا الغطاء عن حد معين (حوالي 40 مم).

تُبقيالخرسانة المسلحة على مقاومتها للضغط حتى درجة حرارة 250°C، وفوق هذه الدرجة تبدأ المقاومة بالتناقص. أمابالنسبة لفولاذ التسليح، فإن الفولاذ المشغول على الساخن يتصرف بشكل أفضل عندالحريق مقارنةً بـالفولاذ المشغول على البارد، حيث تنخفض مقاومة الأخير بشكل كبيرمع ارتفاع درجة الحرارة.وبالنسبة لفولاذ التسليح المشغول علىالساخن، فإن إجهادات الخضوع لا تبدأ بالتناقص حتى درجة حرارة 400°C، وتستمر بالتناقص مع ارتفاع درجة الحرارة، حتى تصل إلى حوالي 50%من قيمتها الأصلية عند درجة حرارة 550°C، والتي تُعد درجة الحرارة الحرجة لفولاذالتسليح.

‍

تدهورالخرسانة كمادة نتيجة أسباب داخلية:

يُعتبر أولسبب يؤدي إلى تدهور الخرسانة هو بعض التفاعلات الكيميائية التي يمكن أن تحدثداخلها نتيجة لبعض المواد الدخيلة مثل الأحماض والكبريتات، وكذلك وجود ثاني أكسيدالكربون أو ثاني أكسيد الكبريت في بيئة رطبة ،كما هو الحال في المداخن والمنشآتالبترولية  حيث يساعد ذلك على مهاجمةالخرسانة وتفتتها وجعلها سهلة الإزالة. كذلك في مصانع الزيوت التي تحتوي على أحماضتهاجم الخرسانة أو أحد مركباتها، مما يُضعفها ويجعلها قابلة للتقشير والإزالة.وتُعرف هذه الظاهرة بهجوم الأحماض(Acid Attack)،وهو أحد أسباب تدهور الخرسانة بسبب التفاعلات الكيميائية. عندتعرض الخرسانة المباشر للتربة أو المياه الجوفية، يمكن أن يحدث تدهور للخرسانة علىشكل شروخ شعرية أو تفتت ناتج عن مهاجمة أملاح الكبريتات، مثل كبريتات الصوديوموالبوتاسيوم والمغنيسيوم، والتي قد تتواجد بكثرة في المياه التي تتعرض لهاالخرسانة. تتفاعل هذه الكبريتات مع أحد مكونات الخرسانة، ويكون ناتج التفاعل مادةالجبس، مما يسبب زيادة حجمية داخل الخرسانة تؤدي إلى حدوث الشروخ. ولهذا، يُستحسنعند تصميم خلطة خرسانية معرضة مباشرة لمصادر المياه أو التربة الغنية بالمياهالجوفية، استخدام خرسانة عالية المقاومة قليلة النفاذية، مع استعمال أسمنتبورتلاندي مقاوم للكبريتات لتفادي هجوم الكبريتات.

يعد صدأالحديد من أكثر أسباب تدهور الخرسانة شيوعًا وانتشارًا. وصدأ الحديد هو ظاهرة تحدثلحديد التسليح عندما يُحيط به وسط حامضي أو وسط تقل فيه القاعدية عن 10 pH، مما يؤدي إلى تفاعلات كيميائية تتسبب في زيادة حجم حديد التسليحوتفتته، وبالتالي توليد إجهادات داخلية على الخرسانة، ما يؤدي إلى حدوث شروخ أوتفتت للغطاء الخرساني، وبالتالي انكشاف حديد التسليح للهواء الجوي وزيادة تعرضهللصدأ وضعف مقاومته.وتكمن خطورة صدأ الحديد في أنه يبدأويستمر لفترة طويلة دون ظهور أعراض واضحة، وذلك لأن التدهور الناتج عن الصدأ يكونبطيئًا وقد يستمر سنوات. كما أن خطورته تكمن في أنه بمجرد أن يبدأ، فإنه يستمر حتىولو أُزيل مصدر الرطوبة، ما لم يُزال الحديد الصدئ والخرسانة المتدهورة وتُستبدلبخرسانة سليمة. وأي إجراء يُتخذ لإصلاح الخرسانة المتدهورة بسبب الصدأ يعتمد كليًاعلى الفهم السليم لأسباب حدوث الصدأ وطرق السيطرة عليه ومنعه من الاستمرار. والحقيقةأن الرطوبة والأكسجين هما الوقود الأساسي لعملية الصدأ، والتي تبدأ حينما تفقدالخرسانة قدرتها على حماية أسياخ التسليح، نتيجة عدة أسباب مثل: زيادة نسبةالكلوريدات في الخلطة، أو حدوث الكربنة (التحول الكربوني) للخرسانة الخارجية، أوحدوث شروخ نتيجة عوامل أخرى غير الصدأ، مما يُسهّل وصول الرطوبة إلى الأسياخ وبدءعملية الصدأ

‍

5- الأخطاء التي تحدث أثناء تنفيذ وصب القطاعاتالخرسانية، والتي تؤدي إلى العديد من المشاكل التي تظهر لاحقًا في الخرسانة:

من أبرز هذهالمشاكل: انفصال مكونات الخلطة الخرسانية أثناء الصب، أوأن يُلاحظ بعد صب القطاع الخرساني أن مقاومة الخرسانة أقل من المقاومة المطلوبةالتي تم إعداد الدراسة التصميمية بناءً عليها.

لضمان مساهمة التدعيم في تحمل الأحمال المطبقة علىالعنصر الخرساني، يجب مراعاة عدة أمور مهمة، أهمها: إزالةالحمل عن العمود المراد تدعيمه، وذلك لاعتبارات تتعلق بالأمن والسلامة، كما أن عدمإزالة الأحمال قبل التدعيم يؤدي إلى أن التدعيم لن يساهم في حمل الأحمال الواقعةفعليًا على العنصر القديم، بل سيساهم فقط في حمل الأحمال الجديدة المضافة. السببفي ذلك هو أن معظم الإجهادات قد أثّرت مسبقًا على العنصر القديم، وتسببت في حدوثتشوهات دائمة، ولذلك يجب أولًا إزالة الأحمال، ثم تنفيذ التدعيم، ثم إعادةالأحمال، حتى يساهم كلٌّ من القطاع القديم والجديد معًا في تحمل الأحمال بشكلمتوازن. يتمذلك عن طريق رفع الأحمال باستخدام الروافع الهيدروليكية، ووضع دعامات مؤقتة إلىحين الانتهاء من أعمال التدعيم ثم تُزال الدعامات المؤقتة وتُعاد الأحمال تدريجيًاإلى العمود

-يوجدطريقتين لتدعيم الأعمدة نتيجة الأسباب السابقة :

1- التدعيمبواسطة قميص خرساني مسلح:
يتم ذلك بإضافةحديد تسليح جديد وربطه مع المقطع الخرساني عن طريق عمل تثبيت (anchoring) لأشاير أسياخ حديد القص أو وصلات القص (shearconnectors)،وهي أسياخ معدنية على شكل حرف (L).
يُثبَّت الطرف المستقيم داخل الخرسانةالقديمة بعمق يتم تحديده من قِبل المصمم الإنشائي، ويُترك الطرف الآخر (الحر) ليتمصب الخرسانة الجديدة عليه، وذلك لتعزيز الرابطة بين الخرسانة القديمة والجديدة

-2 التدعيمباستخدام القميص المعدني:

يُعد استخدامالقمصان المعدنية من الوسائل الفعالة لتدعيم الأعمدة، وله العديد من المزايا،أبرزها:

مزاياالتدعيم بهذه الطريقة:

1.   الحفاظ على أبعاد العمود الأصلية:
لا يتطلب هذاالنوع من التدعيم تكبير أبعاد العمود إلا بشكل طفيف جدًا، لا يتجاوز عادة سماكةالقميص المعدني (حوالي 2 سم)، حيث تبقى سماكة الطينة الأسمنتية كما هي دون تغييريُذكر

2.   سرعة وسهولة التنفيذ:
يمكن تنفيذالقمصان المعدنية بسرعة باستخدام تجهيزات بسيطة ودون الحاجة إلى مساحة كبيرة حولالعمود. يُمكن تنفيذها حتى في الغرف السكنية باستخدام ساتر متحرك لحماية المحيط منشرر اللحام، دون التأثير على نظافة أو استخدام المساحات المجاورة.

3.   تكلفة منخفضة نسبيًا:
تُعد القمصانالمعدنية ذات تكلفة اقتصادية مقارنة بما توفره من فعالية إنشائية عالية.

4.   تحقيق متطلبات التقوية الإنشائية:
يمكن تصميم القميصالمعدني ليتحمل أي تقوية مطلوبة للعمود، سواء من حيث الأحمال الشاقولية أو العزوم.

5.   تحقيق العمل المشترك بين العناصر:
تمتاز هذه الطريقةبسهولة تحقيق التماسك والعمل المشترك بين الخرسانة القديمة للمقطع الأصلي والعناصرالمعدنية للقميص.

6.   زيادة لدونة العمود:
يسهم القميصالمعدني في رفع لدونة العمود، مما يُحسن من أدائه الزلزالي ويزيد من قدرته علىامتصاص الطاقة.

7.   تحسين مقاومة الخرسانة للضغط:
بحسب شكل القميص،يمكن أن يؤمن حصرًا جزئيًا للخرسانة، ما يؤدي إلى تحسين مقاومتها للضغط، وبالتاليرفع قدرة العمود على تحمل الأحمال الشاقولية، بالإضافة إلى مساهمة القميص في حملهذه الأحمال مباشرة.

‍

يوجد بعض النقاط التي يجب تامينها أثناء التنفيذ لتعطي هذه القمصانفعاليتها الكاملة:

-يلزم تغطية القميص المعدني بشبك معدني لتقوية الطينة فوق القميص و منعتشققها نتيجة التغيرات الحرارية التي تكون عادة متباينة بين تشوهات القميص المعدنيو بين تشوهات الطينة الأسمنتية و بالتالي نحتاج إلى تحسين التماسك بين القميص الفولاذي و بين الطينة الأسمنتية و ذلكباستخدام مواد محسنة لهذا التماسك أي مثل اللاتيكس أو البولي بوند أو مستحب المطاطاللاصق . كما يلزم إضافة ألياف للطينة الاسمنتية لتحسين مقاومتها على الشد و منعتشققها ( مثل ألياف البولي بروبلين التي تحسن مقاومة الطينة على الشد وتخفف كثيراًمن تشققها . وعادة يستحسن عند الانتهاء من تنفيذ القميص والطينة الاسمنتية أن يتمأثناء تنفيذ طبقات الدهان إضافة شاش لتجنب حصول تشققات تكون بشكل تنسيمات عنكبوتيةقبل تنفيذ طبقات الدهان النهائية .

‍

خطواتالتدعيم باستخدام القميص المعدني:

.1إزالة جميع الحمولات عن العناصرالإنشائية التي تنقل الأحمال إلى العمود، ويشمل ذلك البلاطات والجوائز في جميعالطوابق التي تستند مباشرة على العمود أو تنقل الأحمال إليه.

. 2تأميندعم مؤقت لكافة العناصر الإنشائية في جميع الطوابق التي تنقل الأحمال إلى العمود،لضمان استقرار المنشأة أثناء تنفيذ أعمال التدعيم.

. 3إزالةطبقة الطينة وطبقة التغطية الضعيفة، ثم تكسير وإزالة الخرسانة المتفككة أو الضعيفةباستخدام الأدوات اليدوية، مع تخشين الأسطح الخرسانية القديمة لتحسين التماسك معالمواد الجديدة.

.4إزالة الصدأ عن قضبان التسليح باستخدامالسفع الرملي أو فرشاة معدنية خاصة، حتى يتم تنظيف الحديد بالكامل من التآكلوالشوائب.

. 5طلاءحديد التسليح المعالج بمواد واقية من الصدأ، تساعد كذلك على تحسين الالتصاق بينالحديد والخرسانة الجديدة.

.6ملء الفراغات ومناطق انكشاف الحديدباستخدام مونة تدعيم خاصة (غروت غير قابل للانكماش مع إضافات محسّنة للالتصاق).

.7تدعيم العمود بقميص معدني يتكون منزوايا معدنية لا يقل مقطعها عن 50×50×5 مم تُثبت في زوايا العمود الأربع، وتُربطببعضها بواسطة صفائح معدنية بسمك 4 مم وعرض 50 مم، بتباعد منتظم كل 30 سم. تُلحمالصفائح مع الزوايا، ثم تُركّب الكراسي السفلية أسفل العمود، تليها الكراسيالعلوية، ويتم إحكامها بالسقف باستخدام دعائم تلسكوبية. بعد ذلك، يُملأ الفراغ بينالصفائح والخرسانة بمونة تدعيم أو مواد مالئة مناسبة.

.8في حال وجود تلف أو انقطاع في قضبانالتسليح، يتم تركيب قضبان جديدة في المنطقة المتضررة بعد إزالة الخرسانة، بحيث لاتقل كمية التسليح الجديد عن الكمية الأصلية. يُربط الحديد الجديد بالقديم بواسطةأطوال تراكب لا تقل عن 20 سم، ويتم اللحام باستخدام شرائح لحام متقطعة بطول 10 سملكل شريحة.

.9بعد تثبيت التسليح الجديد، يُركّبالقالب الخشبي حول المنطقة المتضررة، وتُصب الخرسانة فيها بعـيار لا يقل عن 400كغ/م³، مع إضافة مواد تقلل من الانكماش، أو باستخدام غروت غير قابل للانكماش.

. 10بعد جفاف الخرسانة، يُستكمل تنفيذ القميص المعدنيحسب الخطوات المذكورة سابقًا، لضمان تكامل عملية التدعيم واستعادة كفاءة العنصرالإنشائي

يُعدتدعيم الأعمدة البيتونية باستخدام القميص المعدني حلاً عملياً وفعّالاً لتعزيزقدرة المنشآت على تحمّل الأحمال الإضافية أو لمعالجة التدهور الناتج عن العواملالكيميائية، أو الأخطاء الإنشائية، أو الحريق. تتميّز هذه الطريقة بسرعة التنفيذوتكلفتها المناسبة، فضلاً عن دورها في تعزيز الاستدامة من خلال تقليل الحاجة إلىاستخدام الخرسانة الجديدة. من وجهة نظري، يُظهر هذا الأسلوب كيفيمكن للهندسة الإنشائية أن تدمج بين الحلول التقليدية والابتكارية لضمان متانةالمباني مع الحفاظ على الموارد. ومع ذلك، فإن التنفيذ الناجح لهذهالطريقة يتطلب دقة في التخطيط، واختياراً مدروساً للمواد المناسبة لضمان التكاملبين المكوّنات القديمة والجديدة، مما يُبرز أهمية الجودة في كل مرحلة من مراحلالتدعيم.

‍