بدأ الفناءُ كعنصرٍ معماريٍّ من قديمِ الزمان في الحضاراتِ التاريخيةِ القديمةِ، واستمرَ في التطورِ والتغيرِ عبرَ التاريخِ، وتبعاً للبيئةِ الجغرافيةِ والعاداتِ الاجتماعيةِ للساكنين والمستخدمين وتبعاً لطبيعةِ المبنى والفعاليّاتِ التي تقوم به، حيثُ ساعدت هذه العوامل في تنوعِ أشكالهِ وتصاميمهِ واستخداماتهِ، حتى وصل إلى ما هو عليهِ في عصرنا الحالي الحديث.
في هذه المقالة سَيتُمُ التعريفُ بالفناءِ وأهميتهِ وأسبابِ استخدامهِ، وماهي أنواعُ الأفنيةِ المستخدمةِ. حيثُ سيتم التَعَرُف على خصائصِ كلِّ فناءٍ، ومن ثمَّ الانتقالُ إلى الفناءِ سابقاً حيثُ جرى استخدامهُ في البيوتِ والقصورِ والمساجدِ، لخاصيتهِ الكبيرةِ في تلطيفِ الفضاءِ الداخليّ، ومن ثُمَّ ننتقلُ إلى الفناءِ بالوقتِ الحاضرِ وبعضِ استخداماته في الأبنيةِ الحاليّةِ.
أنواعُ الفناءِ
الفناءُ الداخليّ:
يُعرفُ الفناءُ الداخليّ بأنَّهُ الساحةُ أو الحيزُ الوسطيّ، الذي يكون في وسطِ الدارِ وتتجمعُ حولهُ كافّةُ الفضاءاتِ المختلفةِ وتحيطُ بهِ الجدرانُ من جميعِ الجهاتِ، ويكونُ في الغالبِ مفتوحاً للأعلى، حيثُ يُستعملُ في تهويةِ الفضاءاتِ، ويكونُ كمتَنَفَسٍ ومكانٍ للتجمعِ والرّاحةِ.
الفناءُ الخارجيّ:
هو مساحةٌ مفتوحةٌ تُحيطُها الجدرانُ، ويمكنُ تعريفهُ بأنّهُ مساحةُ من أرضِ الفضاءِ، تقعُ داخلَ المبنى أو خارجهِ، وتطلُ عليها بَعضُ نوافذِ الحجراتِ. يُمثلُ الفناءُ عنصراً معماريّاً مهمّاً عندَ تصميمِ المبنى، لتلطيفِ درجةِ الحرارةِ داخلَ الحجراتِ ولإضاءتها وتهويتها.
الفناءُ الباردُ:
في هذا الفناءِ تكونُ الأبعادُ الأفقيةُ أقلَّ ما يمكنُ، ويكونُ ارتفاعُ المبنى عالياً. وُيستخدمُ في بعضِ الأحيانِ كاسراتٍ عموديةٍ في أعلى المبنى لزيادةِ منطقةِ التضليلِ وحجبِ الأشعةِ الشمسيةِ من الدخولِ للفضاءِ. ويُستعمل هذا النظامُ لزيادةِ الظلِّ داخلَ الفراغِ، ممّا يُساعدُ على خفضِ درجةِ الحرارةِ وتلطيفِ الأجواءِ في المناطقِ الدافئةِ والمرتفعةِ الحرارةِ.
الفناءُ الساخنُ:
في الفناءِ الساخنِ يكونُ ارتفاعُ الفناءِ منخفضٌ وأبعادهُ الأفقية كبيرةٌ، حيثُ يُساعدُ هذا الشكل في السماحِ لكميةٍ أكبرَ من الإشعاعِ الشمسيِّ بالدخولِ للفضاءِ، ممّا يُساعدُ الفناءَ على الكسبِ الحراريّ ورفعِ درجةِ الحرارةِ في لمناطقِ الباردةِ.
الفناءُ سابقاً:
الأفنيةُ هي فراغاتٍ حدائقيةٍ تحيطُ بها الكتلةُ البنائيةُ إحاطةً كليّةً في مُعظمِ الأحيان. ويدخلُ في نطاقِ هذه المجموعةِ أنماطٌ مختلفةٌ كأفنيةِ المساكنِ، والرّوضاتِ، وأفنيةِ القصورِ، وأفنيةِ المباني العامةِ كصحونِ المساجدِ، وأفنيةِ المدارسِ والوكالاتِ. كما أنّ هناكَ أنماطٌ أخرى نادِرةُ التواجدِ، كأفنيةِ الأربطةِ والقبورِ.
يُمثلُ الفناءُ فراغاً حدائقياً صغيراً يأخذُ شكلاً رباعياً منتظماً مربعاً أو مستطيلاً، ويحاطُ بالأبنيةِ من جميعِ الجهاتِ. يَتُمُّ دخولُ الفناءِ من الخارجِ عن طريقِ المدخلِ المنكسرِ-الباشورةِ والمجازِ- وتُنَظَّمُ عناصرهُ على محورٍ رئيسيٍ يمرُ بمجموعةٍ معماريةٍ من رواقٍ مسقوفٍ – ذو ثلاثةِ عقودٍ – وقاعةٍ لاستقبالِ الرجالِ تُفتَحُ عليها غرفتينِ لمبيتِ الضيوفِ، يَتوسَطُ الفناءُ مجموعةٍ حدائقيةٍ من نافورةٍ وأحواضٍ نباتيةٍ صغيرةٍ، ويُبلّطُ بترابيعٍ رُخاميّةٍ أو حجريّةٍ في زخارفٍ هندسيةٍ. وتحتوى حوائطُ الفناءِ من الأسفلِ على زخارفٍ هندسيةٍ تعلوها أشرطةٌ قرآنيةٌ. تتناثرُ قطراتُ الماءِ بفضلِ نتوءاتٍ في هذا السطحِ لتُرَطِّبَ الفراغَ الداخليّ. وتجري هذه المياهُ في قناةٍ طوليّةٍ رفيعةٍ قليلةِ العمقِ عبر القاعةِ والرواقِ لتَصُبَّ في نافورةٍ أو حوضٍ في وسطِ الفناءِ. ورُغمَ وجودِ سماتٍ مشتركةٍ للأفنيةِ العربيةِ خلالَ الفتراتِ المتعاقبةِ إلّا أنَّهُ ظَهرت فيها بَعضُ التطوراتِ التي تُؤكدُ تَغيُرَ زمانِ أو مكانِ إنشائها، فتَركَت المجموعةُ المعماريّةُ مكانها على المحورِ الرئيسيّ.
-مركزُ تدريبِ أكاديميةِ -يا سودا- في اليابان:
صُمِّمَ هذا المبنى ليحتوي على عددٍ من الأنشطةِ الترفيهيةِ والإقامةِ والتدريبِ. حيثُ تَمَّ تصميمُ المبنى حولَ فناءٍ مركزيٍّ بيضاويِّ الشكلِ وبمنظورٍ تشكيليّ، وذلكَ لتجنبِ الإحساسِ بطولِ المبنى، وأيضاً لتهويةِ الفضاءاتِ الداخليةِ طبيعيّاً باستعمالِ التياراتِ الهوائيّة، حيثُ في الفصولِ الدافئةِ يدخلُ الهواءُ من الأدوارِ السُفلى ويَصعدُ إلى الأعلى آخذاً مَعَهُ الهواءُ الحارُّ ويَستبدلهُ بهواءٍ باردٍ، وأمّا في الفصولِ الباردةِ فبالعكس. ساعدَ هذا النّظامُ على تهويةِ الغُرَفِ الداخليّةِ الخاصّةِ بالإقامةِ، وتقليلِ كميّةِ وحجمِ الفتحاتِ واستعمالِ الكاسراتِ الشمسيّةِ للواجهاتِ الخارجيّةِ لتقليلِ الحملِ الحراريّ.
رُغمَ تنوّعِ الأساليبِ والطرقِ في تنفيذِ وتصميمِ الأفنيةِ إلّا أنَّها جميعاً تَسعى إلى الأهدافِ نفسها من ناحيةِ الخصوصيّةِ، والمقاومةِ البيئيّةِ والانفتاحِ للداخلِ. حيثُ ومعَ التطوّرِ العلميِّ والتقنيِّ في كافةِ المجالاتِ إلّا أنَّ الحلولَ التصميميةَ التقليديةَ وخاصّةً الفناءُ بَقِيَ هو الحلُّ الأفضلُ لتحقيقِ الرّاحةِ والخصوصيّةِ للمستخدمين.
الفناءُ في الوقتِ الحاضرِ:
تمَّ استخدامُ الفناءِ في الوقتِ الحاضرِ لفوائدهِ في تحسينِ المناخِ والظروفِ البيئيةِ للمباني، وتوفيرِ الإضاءةِ والتهويةِ الطبيعيةِ. وتمّ استخدامُ الفناءِ في العمارةِ الذكيّةِ في المباني شاهقةِ الارتفاعِ، وناطحاتِ السحابِ. وتمّ تَميُّزَها عن طريقِ:
- في الوقتِ الحاضرِ يَتمُّ دمجُ النباتاتِ معَ التصميمِ الداخليّ للفناءِ، حيثُ تُعتبرُ منَ المظاهرِ الأساسيةِ في المكانِ، وأيضاً كونها عُنصرٌ ايكولوجيٌّ حيويٌّ لما لها من آثارٍ نفسيةٍ عديدةٍ للمستَخدِمين. فالعديدُ من ناطحاتِ السحابِ تَقُومُ بوضعِ النباتاتِ في الفناءِ الداخليّ بشكلٍ رأسيٍّ أو حلزونيٍّ لتلطيفِ وتنقيةِ الهواءِ الداخليّ.
- خَلقُ مناطقٍ للتهويةِ الطبيعيةِ في واجهاتِ الأبنيةِ وناطحاتِ السحابِ، على شكلِ فَجَواتٍ أو تجاويفٍ في الجدرانِ الخارجيّةِ، حيثُ تساعدُ هذه الفَجَواتِ في توليدِ تياراتٍ هوائيّةٍ ممّا يُساعدُ في تلطيفِ الأجواءِ، ويُمكنُ وَضعُ النباتاتِ الطبيعيةِ فيها. ويُعتبرُ هذا النوعُ من التجاويفِ أَحَدَ مظاهرِ الأفنيةِ.
هناك بعضُ المباني التي تمّ فيها استخدامُ فكرةِ الفناءِ ومن ضمنها:
-المبنى الإداريّ للبنكِ المركزيّ التجاريّ – فرانكفورت:
وهو مبنى مرتفع مكوّن من 60 طابقاً، وهو ضِمنَ أحدِ أعلى الأبنيةِ في أوربا. وقدِ استعملَ فيهِ فكرةُ الفناءِ المركزيّ، والمبنى يتكونُ من مسقطٍ مُثلثِ الشكلِ ذو انحناءاتٍ للخارجِ في أضلاعهِ لزيادةِ فراغاتِ المكاتبِ. وبالإضافةِ إلى فناءهِ الرئيسيّ المركزيّ تمَّ تَصميمُ عدةِ أفنيةٍ مستقطعةٍ رئسيّاً من الفضاءاتِ العليا في المبنى، حيثُ يَتمُّ استقطاعُ فضاءاتِ أربعِ أدوارٍ، وتُستعملُ كفضاءاتٍ للرّاحةِ أو كحديقةٍ داخليةٍ، ويَتمُّ هذا الاستقطاعُ كلَّ ثمانيةِ أدوارٍ، ويَتمُّ تغييرُ هذه الفراغاتِ بين استقطاعٍ وآخرٍ لتوليدِ حركةٍ في التياراتِ الهوائيةِ داخلِ المبنى، حيثُ تُساعدُ هذه الفكرةُ في تلطيفِ الأجواءِ والتقليلِ من كميّةِ خدماتِ التكييفِ اللّازمةِ لتبريدِ المبنى، وتُغلقُ شتاءً للتدفئة.