كثير من مصممي المواقع يعتقدون أن العنصر النباتي لا يتجاوز كونه مادة خضراء توزع حول المنشأ لإعطاء شكل جمالي للموقع وتتلخص في غطاء أرضي "نجيل"، أشجار وبعض النباتات المزهرة كمحددات للطرق أو أحواض. وهذا الإسلوب خاطئ جداً في التعامل مع النباتات بل يجب تحديد الوظيفة التي سيؤديها النبات والظروف البيئية للموقع قبل اختيار النبات. فالإختيار الخاطئ والغير مدروس للنباتات في التنسيق قد يؤدي إلى كارثة بيئية وحضرية، وهذا ما سنتطرق له في مقالنا.
تقسيم النباتات
في بداية الأمر دعوني أحدثكم بإيجاز عن تقسيم النباتات في المملكة النباتية. حيث يمكن تقسيم النباتات من حيث تساقط الأوراق إلى قسمين: فهناك النباتات دائمة الخضرة، والنباتات متساقطة الأوراق. كذلك يمكن تقسيم النباتات من حيث النمو إلى: أشجار وشجيرات وغطاء أرضي ومتسلقات وحوليات.
هي الأشجار التي تفقد أوراقها في فصل الشتاء فينتج عن تساقط الأوراق كثرة الفراغات وتستخدم هذه الأشجار في أغراض عمرانية وفراغية كالظل أو سياج غير كامل.
- الأشجار والشجيرات دائمة الخضرة
هي النباتات التي تحتفظ بأوراقها طوال فصول السنة دون تغير حيث تحتفظ بجمالها ورونقها مما يجعل المهندسين المصممين وكل من يهتم بالتشجير يفضلون استعمالها لأغراض متعددة سواء كانت عمرانية أو حضرية أو فراغية.
النباتات التي تكسو الأرض لإعطاء الإحساس بالإمتداد الأفقي ولحفظ التربة ولمنع الإنزلاق في التربة ذات الميلان الحاد وينقسم إلى نجيل ومدادات أرضية.
تنقسم أيضاً إلى متساقطة الأوراق ودائمة الخضرة وتستخدم في تغطية الحوائط الرأسية للمباني وحجب المناظر الغير مستحبة وتمتاز بعضها بكثرة ألوانها المختلفة.
عناصر زينة وعطرية تعطي رائحة ذكية وتغير مستمر بالألوان.
النِّقَاط الواجب مراعاتها عند اختيار النباتات:
من النقاط المهمة عند تصميم الموقع وتنسيقه هو تحليل الموقع "بيئياً" من حيث: (المناخ، نوع التربة، شكل الأرض، اتجاه الرياح، كمية الأمطار المتساقط ...)
كلما كانت المعلومات عن الموقع واحتياجاته دقيقة وكاملة كلما أصبح اختيار النباتات أسهل وكانت النتيجة النهائية أفضل.
لذلك عند اختيار النباتات في التنسيق يجب مراعاة الآتي:
- ملائمة النبات للظروف الجوية السائدة في المنطقة.
- الهدف أو الغرض الذي سيعمل من أجله النبات.
- توافق الشكل والملمس واللون مع البناء وهندسة العمارة.
- متطلبات النبات من عمليات زراعية من تسميد وتقليم وري.
(وهنا يجب اختيار نباتات تفي بالغرض مع قلة متطلبات العمليات الزراعية)
- حالة النبات وشكله في جميع فصول السنة.
(لنعرف كيف سيكون الموقع في الصيف والشتاء)
تأثير الألوان:
من الضروري للمصمم في مجال عمارة اللاندسكيب معرفة دائرة الألوان وتأثيرها وارتباطها بالسلوكيات وكيفية استعمال الألوان المتضادة أو الألوان المتجاورة في التصميم.
ويمكن الإستفادة من معرفة الوقت الموسمي لظهور الألوان في النباتات من خلال التصميم والتخطيط الذي يحقق الحصول على فترات متتابعة من الأزهار المتنوعة الألوان، علي مدار السنة وذلك لتحقيق الإستمرارية في تواجد الألوان طوال العام. كما يفضل استعمال واختيار الألوان المتناسقة داخل المشروع الواحد.
الإستخدام السيئ والغير مدروس للأشجار في التنسيق:
إن أي نبتة تزرع في الموقع يجب أن تؤدي غرض محدد، ويجب أن تختار بعناية لتناسب الظروف البيئية واحتياجات التصميم.
يعد النبات صديقاً للبيئة ولكن الممارسات الخاطئة وعدم المعرفة الكافية بفسيولوجية النبات تجعله نباتاً خطيراً في بعض المواقع مما يجعله يهدد البيئة، قد يبدو الأمر مربكاً نوعاً ما لذلك دعونا نستطرد بعض الأشجار الشهيرة في الوطن العربي التي توضح وتؤكد على مخاطرها على البيئة عند التعامل معها بصورة خاطئة ووضعها في غير بيئتها:
1. شجرة الكونوكاربس أو الدماس Conocarpus:
من الأشجار مستديمة الخضرة، سريعة النمو، مقاومة للأمراض والآفات الزراعية، تتحمل القص والتشكيل الهندسي، وتتحمل الجفاف ودرجات الحرارة العالية.
مما يعده مناسباً جداً بل خِيار ممتاز لعمليات التشجير وتجميل المدن واستخدامه كمصدات للرياح وهذا ما رأته بعض دول الخليج العربي وخاصة الكويت فقاموا بإستقدامه من الخارج وزراعته بكل أرجاء الدولة حيث إن موطنه الأصلي هي المناطق الإستوائية حول العالم.
ما حدث أن الكونوكاربس تتمتع بنظام جذري سطحي أفقي وذو كفاءة عالية لتتبع مصادر المياه ويحتوي على شعيرات جذرية ناعمة تتغلغل بسهولة مما سمح لها اختراق الأنابيب التالفة للبنية التحتية وشبكات الصرف الصحي للمنازل كنتيجة للإستخدام الخاطئ في التعامل معها، وعدم ريها بشكل دائم دفعها إلى التمدد لمسافات طويلة بحثاً عن الماء.
كنتيجة للأضرار التي تسببت بها الكونوكاربس عمدت بعض الجهات في دول مجلس الخليج إلي منع زراعتها وعمل برنامَج توعوي للمواطنين بأضرارها وتحديد بدائل أخرى لها مع التشديد على عدم زراعتها قرب المنازل والمباني.
في إطار تطوير وتشجير المدن قامت السُّعُودية بزراعة 13ألف شجرة جكراندا ذات أزهار بنفسجية في مدينة أبها، فأصبحت المدينة مثال على توظيف النبات بطريقة مدروسة.
شجرة متساقطة الأشجار تظهر زهورها في الربيع قبل ظهور الأوراق سريعه النمو ويصل ارتفاعها إلى 15 متر. تزرع للزينة والإستفادة من ظلها في المواقع العامه والخاصة. غير مناسبة في معظم مناطق المملكة بسبب الحر الشديد في الصيف والبرودة الشديدة في الشتاء لذلك تنحصر زراعتها في المناطق المعتدلة مثل المنطقة الجنوبية.
النتائج:
من فهم دور النباتات وخاصة الأشجار وما تقدمه للإنسان والكائنات الحية وظيفياً وبيئياً وبصرياً وجمالياً يدرك أهمية الحفاظ على المساحات الخضراء بل وأهمية الإسراع في زيادة أعداد الأشجار على كوكب الأرض وخاصة بالمدن والأماكن المكدسة بالسكان. ولا يعني ذلك ابداً الإكثار من زراعة الأشجار المستوردة والتي لا تنتمي للبيئة المحلية بل بالعكس الإستفادة من النباتات المحلية ونشرها لقلة استهلاكها للمياه ومناسبتها للمناخ المحلي.
ما تطرقنا له في المقال يوضح أن الأشجار هي أقوى العناصر تأثيراً في التصميم وأن مسؤليتك كمصمم أو ممارس لمجال عمارة اللاندسكيب هي التعرف على مواصفات تلك الأشجار وظروفها البيئية بالشكل الصحيح عند البِدْء في تنسيق المواقع والتعامل معها بدقة ومعرفة علمية وعملية. فمن خلال تلك المعرفة يستطيع المصمم أن يتواصل مع مستخدمي الفراغ من خلال اختيار النباتات وتكويناتها التي توضح وتعبر عن الفكر التصميمي للمشروع وتحقق الدور الوظيفي والبيئي والتأثير البصري والنفسي المطلوب لإرضاء وإمتاع مستعملي الفراغ.
2. المسكيت Mesquite:
شجرة مستديمة الخضرة، طويلة العمر، تتحمل الظروف المناخية القاسية، مجموعها الجذري قوي جداً حيث يمكن أن تتعافى الشجرة بعد قطع جذرها. يعرف عنها سرعة انتشارها كالسرطان لذا يلقبها علماء البيئة وخبراء الزراعة بسرطان البيئة أو الشجرة الحمقاء كما يطلق عليها الإتحاد الدُّوَليّ (IUCN) أخطر الكائنات الحية في العالم، وهذا في حالة إدخالها في بيئات غير بيئاتها الأصلية.
موطنها الأصلي هي المكسيك وجَنُوب الولايات المتحدة، تم استقدامها من الخارج إلى معظم الدول العربية كدول الخليج ومصر، ولكنها تنتشر بكثافة في السودان حيث عمد البريطانيون على نشر بذوره بواسطة الطيارات الشراعية بغرض تثبيت الكثبان الرملية، لكنها هددت البيئة وكلفت الدولة الكثير حيث دمرت البنية التحتية للصرف الصحي وشبكات مياه الشرب والغاز الطبيعي.
تتوغل جذور المسكيت وتنتشر في أعماق الأرض في جميع الإتجاهات لمسافة قد تصل إلى 50 متر الأمر الذي يستحيل معه نزعها من التربة أو السيطرة عليها. ما أن تصل إلي المياه الجوفية حتى تستنزفها إذ تبتلعها بشراهة ولإنتشارها أفقياً وراسيا تتعدى على المجاري المائية والمصارف، كما أن جذور المسكيت لها القدرة على امتصاص الماء من جذر النباتات الطبيعية المحيطة بها مما يؤدي إلى تدميرها والقضاء عليها.