إن تطوّر أساليب التصميم وأدوات الحوسبة في وقتنا الحاضر أثّر بشكلٍ كبيرٍ على تصميم الشكل المعماري، واستخدام هذه الأساليب والأدوات يتزايد بشكلٍ ملحوظ ويزداد الوعي بأهميتها وإمكانياتها في المجال المعماري، فهو يتيح للمعماريين إنشاء أشكال ثلاثية الأبعاد مهما بلغ تعقيدها، مع سهولة التعديل عليها والتحكم فيها في جميع مراحل العمل من خلال الخوارزميات الحسابية.
من بين كل التقنيات، أثارت تقنية تحسين الطوبولوجيا انتباه المعماريين بسبب قدرتها على إنشاء أشكال عضويةٍ مميزةٍ ومبتكرةٍ بالتكامل مع تقنية التصميم التوليدي وفكرة إيجاد الشكل.
تقنية التحسين:
التحسين هو أسلوبٌ في التصميم يهدف لإيجاد الحل الأمثل والمناسب لمتطلبات الحالة المدروسة، ويلبي جميع المتطلبات والوظائف على أكمل وجه، على سبيل المثال تحقيق أقل قدر ممكن من استهلاك الطاقة والموارد في المبنى أو تقليل كمية المواد الغير فعالة في عنصر معين أو وقت المعالجة أو تقليل الهدر أثناء عمليات التصنيع، وزيادة الأرباح والمنفعة وكفاءة التصميم وفعاليته، وتؤثر على نتيجة عمليات التحسين متغيرات ومحددات خاصة بكل حالة.
الطوبولوجيا:
يعتبر فرعاً من فروع علم الرياضيات، يدرس الخصائص الجوهرية للأشكال والخصائص التي لا تتغير بتغيير الشكل وأبعاده، وهي خصائصٌ طوبولوجية وهندسية لا إقليدية.
فهو يهتم بدراسة البنية العلائقية للأشكال بدلاً من العلاقات الهندسية الشائعة، أي لا يدرس قطر الدائرة ومحيطها وخصائصها الهندسية وإنما يدرس مرونتها وبنيتها الطوبولوجية.
أمثلة توضيحية:
من أشهر المقولات من باب الدعابة في الطوبولوجيا:
"متخصص الطوبولوجيا لا يستطيع التفريق بين كوب القهوة (له يد واحدة) وقطعة الدوناتس (دائرية)"
والسبب أن كلاهما له فتحةٌ واحدةٌ ويمكن تشكيل أحدهما من الآخر وبالعكس دون وجود أي عملية فصل.
التّحسين الطوبولوجي هو نهجٌ تصميميٌ متقدّمٌ يساعد على إنشاء هياكلٍ مبتكرةٍ، خفيفة الوزن، عالية الأداء ومتعددة الوظائف، يصعب الحصول عليها باستخدام طرق التّصميم والإنشاء التقليدية، يهدف بشكل عام إلى إيجاد شكل أكثر كفاءةٍ للهيكل، فالشّكل الذي تنتجه هذه التّقنية يكون الشّكل الأمثل للحالة المدروسة ويكون نتيجةً لمحدداتٍ معينةٍ خاصةٍ بالحالة.
تم استخدام تقنية التّحسين الطوبولوجي في عدة مجالاتٍ منها: الطّيران، السّيارات، تصميم المنتجات، والهندسة المعمارية وغيرها.
ومن تقنيات التّحسين الطوبولوجي التي شاع استخدامها في المجال المعماري:
Evolutionary Structural Optimization(ESO)
the Bidirectional EvolutionaryStructural Optimization
(BESO)
استراتيجيات التّحسين الطوبولوجي لهذه التّقنيات تكون مستوحاة من هياكل موجودة بالطّبيعة مثل الأشجار والصّدف والعظام.
تحسين الطوبولوجيا هي طريقةٌ رياضيةٌ تهدف إلى تحسين توزيع المواد في شكل محدد، تزيل المواد الغير فعّالة في الشكل وتبقي المواد الفعّالة، مع الوصول لأقصى استفادةٍ من الأداء فيه.
هناك العديد من العوامل المؤثرة على عمل هذه التقنية ومنها:
-الأحمال التي يتعرض لها الشّكل
-مواد البناء المستخدمة وخصائصها
-حدود الشّكل المعطى أو المساحات (وهي من المدخلات المهمة كي لا تؤثر التقنية على فكرة التصميم ووظيفته المحددة)
-فرضياتٌ ومدخلاتٌ خاصةٌ بكل حالةٍ وغيرها من العوامل الأخرى.
التحسين الطوبولوجي هو عملية حوسبةٍ، والخوارزميات الحسابية تؤمن سرعةً وفعاليةً غير موجودةٍ في طرق العمل التقليدية، ندخل المحددات والخوارزميات الخاصة بالحالة وننتظر من البرنامج مشاركة النتائج المحتملة.
2-تقليل كمية المواد المستخدمة:
فالمنتج يكون أخف وزناً وأقل استخداماً للمواد إذ تتم إزالة أي موادٍ غير ضروريةِ في التشكيل المعطى بعد إجراء التحليلات اللازمة.
3-الاستدامة:
فالتصميم التقليدي يستهلك الكثير من الطاقة، ومن خلال تطبيق التحسين الطوبولوجي وتقليل استخدام المواد، نصل إلى توفير استهلاك الطاقة، كما يؤمن تنفيذ المنتج عن طريق تقنيات التصنيع الرقمي إلى إنتاج تصميم دقيق بدون أيّ إهدارٍ.
سلبيات تحسين الطوبولوجيا:
1-التقييد بطريقة التنفيذ:
إذ أن التنفيذ بالطرق التقليدية قد لا يكون فعّالاً في التصميمات المبتكرة، لذلك من الأفضل تنفيذ منتجات هذه التقنية باستخدام التصنيع الرقمي مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والتي قد لا تكون متاحةً للجميع
2-التحديات في التعلّم
لأن تحسين الطوبولوجيا والتصميم الحوسبي لا يزال حديث الاستخدام فإن العديد من المهندسين ليس لديهم إطّلاعٌ على أدواته، مما يلزمهم أولاً فهم طريقة عمل التصميم الحوسبي لاستخدام تحسين الطوبولوجيا في تصاميمهم.
مثال توضيحي-تحسين نقاط الدعم لتغطية:
في الطريقة التقليدية للتصميم يتم تحديد مواقع الأعمدة ونقاط الدعم للهيكل على أساس قواعد ودراساتٍ وتجاربٍ سابقةٍ، أصبح بإمكاننا اليوم تحديد نقاط الدعم للهياكل استناداً على الخوارزميات الحسابية.
تم تطبيق تقنية تحسين الطوبولوجيا على تغطيةٍ مدعمةٍ بأعمدةٍ لإيجاد التموضع الأمثل للأعمدة، تم تحديد عدد الأعمدة للتغطية لتكون سبعة أعمدةٍ، وأبعاد التشكيل الحجمي للتصميم كالتالي: 9*6.5*3
ومن بين 1159 موقع محتملٍ لتموضع نقاط الدعم، ولّدت تقنية التحسين الطوبولوجي التموضع الأمثل والمناسب لمحددات الحالة.
Rolex Learning Centre in Lausanne, Switzerland, 2008
وهو مبنى متعدد الاستخدامات، يحتوي على مكتباتٍ ومدرجاتٍ وأماكن عمل للطلاب وما إلى ذلك. يمتد المبنى على مساحة120 *160متر ويتكون من طابقٍ واحدٍ يقع على ارتفاع 10 متر مع ارتفاع 4.5 متر عن سطح الأرض.
ما يميز المبنى هو تقسيم الفراغات والحركة فيه عن طريق رامبات ومنحدرات بدلاً من استخدام الجدران والمناسيب والأدراج التقليدية.
يتألف المبنى منقشرتين بمجازاتٍ مختلفةٍ مع وجود تفريغاتٍ فيهما تشكل أفنيةٍ، تؤمن التهوية والإضاءة الطبيعية للمبنى.
القشرتين، وهما العناصر الأكثر تميّزاً في المبنى، شكّلتا تحدّياً كبيراً للمهندسين في إيجاد الشكل المناسب لهما، بدأت عملية التحسين الطوبولوجي على القشرة بتحليل الأشكال الهندسية المصممة من قبل المعماريين، أثرت عملية التحسين بشكل أساسي على فتحات الأقواس الحاملة للقشرة وعلى تموضع الأفنية، بما يتناسب مع سماكة القشرة ونقل الحمولة المطبقة عليها، ومن المحددات والمدخلات لعملية التحسين:
-ارتفاع المداخل
-عدم وجود نقاط دعم في الأفنية
-فتحات الأقواس والحمولة المطبقة
-المحافظة على الإطلالة البانوررامية للمبنى على جبال الألب.... وغيرها.
يعتبر هذا المبنى من أوائل المحاولات التي قام فيها المهندس أراتا إيسوزاكي بتنفيذ أفكاره في تطبيق تحسين الطوبولوجيا في العمارة.
تم بناء المركز وفقاً لمعايير الشهادة الذهبية الصادرة عن مجلس المباني الخضراء الأميركي
شكل المبنى بمدخله المتميز الذي يبلغ طوله 250متر وبارتفاع 20متر تحدياً كبيراً بالتنفيذ، تم تصميم هيكل الشجرة باستخدام تقنية التحسين الهيكلي التطوري، ولتنفيذ الهيكل على أرض الواقع قاموا بتجزئة الهيكل إلى أجزاء من الألواح.
يتكون هيكل الشجرة الداعم للمدخل من عنصرين رئيسيين:
القشرة الخارجية المكونة من ألواحٍ منحنيةٍ معقدةٍ وفي داخلها نواةٌ داعمةٌ هيكليةٌ تتألف من أنابيبٍ مثمنةٍ، يتكون كل أنبوبٍ على حدى من صفائحٍ فولاذيةٍ مسطّحةٍ.
يتألف الهيكل الشجري من 70% من الألواح المنحنية المفردة و30% من الألواح المنحنية المزدوجة.