لكلٍ منا ذوقٌ خاصٌ به ومن الممكن أن يميل كل فردٍ إلى لون طلاءٍ أو قطعة أثاثٍ دوناً عن البقية. ومع أننا نتعامل مع الألوان في حياتنا اليومية، إلا أن كثيراً منا لا يعرف صفاتها ومدلولاتها النفسية وأنواعها، وأن هناك في الواقع علاقةُ بين شخصية الإنسان ولونه المفضل، وبشكلٍ عام فإن اهتمام الشخص بتنسيق الألوان في منزله ومكتبه ومحيطه العملـي أو الحياتي يعكس ذوقاً وثقافةً عالية.
إن الدراسات الحديثة للضوء واللون والخامات أثرت كثيراً على التصميم الداخلي، فلم يعد اللون يملك نفس المفهوم التقليدي على أنه طبقةٌ من الطلاء أو مادةٌ للزينة والزخرفة، وكذلك الأمر بالنسبة للخامات حيث أصبح اللون صفةً لها لا ينفصل عنها وبعداً من أبعادها المنظورة. وأصبح اختيار اللون في التصميم الداخلي مهمة ًأساسيةً للمصمم لا تقل أهميةً عن اختيار نوع الأثاث ومواد الإكساء ونمط التصميم بحد ذاته.
يمتلك البعض القدرة على تنسيق الألوان انطلاقاً من مهاراتهم وحسهم الفني، ولكن هناك أيضاً أسسٌ وقواعد تساعدنا على اختيار الألوان المناسبة لطبيعة الفراغ والمتناسقة مع بعضها البعض، سنتعرف عليها في مقالنا التالي، ولكن أولاً لنتعرف على مفهوم اللون وعجلة الألوان.
يعد اللون من العناصر البصرية ذات الأهمية الكبيرة لما يحمله من طاقةٍ بصريةٍ مؤثرةٍ في الإدراك الحسي والعقلي، يتم من خلاله الإحساس بجمالية التصميم الداخلي وتكامل عناصره الأدائية والوظيفية والتعبيرية، وهو صفةٌ لكل السطوح.
يشكل الضوء المصدر الأساسي لكل الألوان. يتحلل الضوء الأبيض فيزيائياً إلى سبعة ألوان ٍمرئيةٍ يتحدد كل منها بالطول الموجي، وعند سقوط الضوء على سطحٍ ما، يمتص هذا السطح جزءاً من الأطوال الموجية ويعكس الجزء الآخر، وهو الجزء الذي تتحسسه أعيننا والذي يعطي صفة اللون لذلك السطح.
تتوضع الألوان ضمن دائرةٍ ندعوها ب عجلة الألوان، تضم 12 لوناً ترتبط مع بعضها بطريقة ٍطبيعيةٍ ومدروسةٍ، وتنتظم فيها ضمن مجموعاتٍ لونيةً وظيفيةً تبعاً لتأثيرها، وهذه المجموعات هي:
الألوان الأساسية : الأحمر، الأزرق، الأصفر
الألوان الثانوية: هي الألوان الناتجة عن دمج لونٍ أساسيٍ مع لونٍ أساسي آخر
اللون الأخضر: ينتج عن دمج اللون الأزرق مع اللون الأصفر
اللون البرتقالي: ينتج عن دمج اللون الأحمر مع اللون الأصفر
اللون البنفسجي: ينتج عن دمج اللون الأحمر مع الأزرق
أما الألوان الوسطية (الثلاثية): فتنتج عن دمج لونٍ أساسي مع لونٍ ثانوي، كالأحمر البرتقالي، الأصفر البرتقالي، الأصفر المخضرّ، الأزرق المخضّر، الأزرق البنفسجي والأحمر البنفسجي.
المدلول النفسي لكل لون وإستخدامه في التصميم الداخلي:
اللون الأبيض
لون السلام، البراءة، النقاء، النظافة والفرح وبالتالي له تأثيٌر فعالٌ في عملية إسترخاء الأعصاب وتهدئتها. زادت شعبيته في السنوات الأخيرة في التصميم الإسكندنافي، ويميل إلى إستخدامه بشدةٍ المصممون الذين يتبعون مذهب المينيماليزم (التبسيطية) في التصميم الداخلي.
يوحي إستخدامه بالإنتعاش والحداثة، ولكن يمكنه أيضاً أن يخلق جواً بارداً في حال عدم دمجه مع ألوانٍ أخرى.
اللون الأسود
يوحي بالهيبة، الرسمية، والأناقة، ولكنه يمكن أن يعطي شعوراً بالكآبة أو الخوف في حال تم إستعماله بنسبة كبيرة في التصميم. ومن الأنسب إستعماله بمزامنةٍ مع اللون الأبيض حيث يؤدي إلى خلق تناقضٍ فنيّ يبعث على الجمال.
اللون الأحمر
لون النار والدم، وأعلى الألوان طاقةً، يسبب الإحساس بالحرارة ويزيد من الإنفعال، ولهذا فإنه يسبب ضغطاً دموياً قوياً وتنفساً أعمق عند إستخدامه بدرجاته القاتمة، ما يجعله غير مناسبٍ للإستخدام في غرف النوم وأماكن الإستراحة والإسترخاء. يمكن إستخدامه في أماكن اللعب المخصصة للأطفال، وفي المطاعم وأماكن الوجبات السريعة كونه يساعد على فتح الشهية.
اللون الأزرق
هو لون السماء والماء، منعشٌ شفافٌ يوحي بالخفة، حالمٌ، قادرٌ على خلق أجواءٍ خياليةٍ. إن التوتر العضلي يتناقص تحت تأثير الضوء الأزرق، لذا فهو قادرٌ على تخفيض ضغط الدم وتهدئة نبض القلب والتنفس السريع. وقد دلت التجارب على أن هذا اللون هو أكثر الألوان تهدئة ًللنفس.
من المناسب إستخدامه في غرف النوم الرئيسية كونه يوفر الراحة، وفي غرف الإجتماعات كونه يقلل من المشاحنات ومن شعور التوتر والغضب.
لون ضوء الشمس، ولون المزاج المعتدل والطاقة والسرور، برهنت بعض التجارب النفسية أنه محركٌ للأعصاب ولو أن بعض الألوان الصفراء الساخنة قادرةٌ على تهدئة بعض الحالات العصبية الشديدة، ولذلك يُستعمل أحياناً لعلاج بعض الأمراض العصبية. كما أنه يمكن أن يؤدي إلى إطلاق الإبداع وتشجيع التواصل، لذلك يستخدم في الغرف المكتبية وفراغات القراءة، وفي فراغات المعيشة الخاصة بالأسرة.
اللون الأخضر
لون الطبيعة، منعشٌ مهدئٌ يوحي بالراحة والنمو والتوازن، إذ يضفي بعض السكينة إلى النفس ويسمح للوقت أن يمر سريعاً ويساعد الإنسان على الصبر، لذا فقد استُعمل في معالجة بعض الأمراض العقلية مثل الهستيريا وتعب الأعصاب. يمتص الطاقة السلبية ويبعث طاقةً إيجابيةً في المكان. من المفضل استخدامه في غرف النوم لأنه يساعد على الإسترخاء والهدوء وبالتالي يفضل أيضاً الإبتعاد عن استخدامه ضمن الفراغات الخاصة بالعمل لأن الذهن يحتاج إلى النشاط والطاقة.
الدرجات القاتمة منه تضفي أناقةَ إلى المكان، أما الدرجات الفاتحة فتحفز على الإبداع.
اللون البرتقالي
لون التوهج والإحتدام والإشتعال، يوحي بالدفء بدرجاته الفاتحة، وقد يكون له تأثيرٌ مهدئٌ لبعض الأشخاص. بينما يوحي بالإثارة بدرجاته القاتمة، ويمكن أن يسبب التوتر عند استخدامه بتراكيز كبيرة.
اللون البنفسجي
لونٌ ملهمٌ للإبداع والروحانية، يعتبره البعض أيضاً لوناً ملكياً يعبر عن الفخامة. درجاته القاتمة يمكن أن تضفي لمسة ًجريئةً، بينما تساعد درجاته الفاتحة على تهدئة الأعصاب.
يمكن استخدامه في غرف نوم الأطفال ولكن يجب الإنتباه إلى أنه يمكن أن يسبب الكآبة إذا استُخدم بمفرده وبدرجات معينة.
اللون البني
من الألوان الحيادية، يمكن استخدامه في أي فراغٍ أو نمطٍ تصميمي، يساعد على التفكير العميق، ويعد استخدامه مع خامات الخشب والجلد والعناصر الطبيعية طريقةً جيدةً لإضفاء الدفء إلى المكان.
يعتمد على الألوان المتممة أو المتعاكسة وهي الألوان المتقابلة في الدائرة اللونية، (لون أساسي كالأحمر واللون الناتج عن مزج اللونين الأساسين الآخرين كالأخضر) وتتطلب جرأةً في استخدامها، تولد أثراً شديد التوازن عند استخدامها في تصميمٍ معين.
النظام المترابط
يعتمد على الألوان المتجاورة (المتكاملة) أي اختيار لون واحد أساسي واللونين المجاورين له في الدائرة اللونية، مثال: الأزرق والأخضر المزرق والبنفسجي المزرق، يعطي هذا النظام الفضاء طيفاً لونياً واحداً، ويولد استعماله تصميماً شديد التناغم.
أنظمة أخرى
نظام المثلث المتساوي الأضلاع، نظام المثلث متساوي الساقين، نظام المربع، نظام المستطيل، ويقوم كل منها على استخدام الألوان التي تقع على رؤوس كل من هذه الأشكال في الدائرة اللونية.
بعض التوصيات والنصائح عند اختيار ألوان العناصر في الفراغات الداخلية:
ألوان الأرضيات
تعكس الأرضيات الفاتحة الإضاءة الساقطة على سطحها، وبالتالي فهي تساعد على جعل الفراغ الداخلي أكثر إشراقاً. أما الأرضيات الداكنة فتمتص هذه الإضاءة.
الألوان الداكنة الدافئة للأرضية تعطي إحساساً بالأمان.
الألوان الفاتحة الباردة للأرضية تؤكد علـى نعومـة الأرضية.
الألوان الباردة الداكنة تعطي عمقاً ووزناً للأرضية.
ألوان الجدران
الألوان الفاتحة للجدران تعكس الضوء بفعالية.
الألوان الفاتحة الباردة تزيد من الإحساس بإتساع الغرفة.
ألوان السقوف
الألوان الداكنة تقلل ارتفاع السقف.
السقف الصقيل ذو الألوان الباردة الفاتحة يزيـد الإحـساس بإرتفاع السقوف.
في النهاية يجدُر القول أنه من الصعب التوصل إلى تنسيقٍ أو مبدأ لونيّ يُعجب جميع الأذواق، ومهمة المصمم الداخلي أو المهندس المعماري هي دراسة إستخدام الألوان بدقةٍ والتنسيق بينها للوصول إلى الإنسجام المطلوب، مع مراعاة شخصية العميل وذوقه، ومزاجه قدر الإمكان حيث أنه أولاً وأخيراً هو من سيستخدم الفراغ الداخلي.
الأنظمة اللونية:
كما ذكرنا سابقاً فهناك أنظمة ٌلونيةٌ محددةٌ تساعدنا على اختيار الألوان المناسبة والمنسجمة مع بعضها البعض في عملية التصميم، ويجب أن يتم اختيارها بالتوافق مع طبيعة الفراغ الداخلي وذوق المصمم ورغبة العميل. من هذه الأنظمة :
نظام الألوان الأحادي:
يقوم على أساس اختيار لونٍ واحدٍ في التصميم مع تدرجاته الفاتحة والغامقة. يساعد هذا على خلق جوٍ من التناغم والإنسجام في المظهر الداخلي للفراغ، كما يعطي إحساساً بإتساع المساحة لذا يمكن استخدامه في المساحات الصغيرة.