لا بد أن أغلبنا قد سمع ببرج خليفة، هذه التحفة المعمارية المميزة بارتفاعها الشاهق وتصميمها المذهل، وربما يرغب كل منا بزيارته والتقاط الصور بجانبه، ولكن هل جالت بذهننا يوما تساؤلات حول كيف استطاع مبنىً بهذا الطول الصمود في طبيعة دبي الصحراوية شديدة الجفاف؟ وكيف تم التعاون بين مهندسي الإنشاء والعمارة للتغلب على جميع المشاكل المحتملة؟ هذا ماسنجيب عنه في مقالنا.
لمحة عن مناخ وطبيعة أرض بناء دبي:
إن مناخ مدينة دبي في فصل الصيف شديد الحرارة والجفاف، وتصل درجة الحرارة فيها إلى 50 درجةٍ مئويةٍ، كثير العواصف الترابية، أما في فصل الشتاء فهو معتدلٌ لا تزيد درجات الحرارة فيه عن 30 درجةٍ مئويةٍ، وهو ما يجعله أفضل فصول السنة، ولكن غالباً ما يتعرض للرياح الشديدة المدمّرة والصواعق الرعدية.
أما عن طبيعة أرض دبي، فهي صحراويةٌ غنيةٌ بالكثبان الرملية مما يسبب صعوبة البناء فوقها.
سبب اتجاه دبي لإنشاء مثل هذا البرج:
رفضت حكومة دبي اعتماد الدولة في اقتصادها على ثروة النفط فقط، واعتباره المصدر الوحيد لتنمية الاقتصاد، لذلك أرادوا إنشاء مقصدٍ سياحيٍ متميزٍ ليكون لدبي مصدراً اقتصادياً أكثر قوةً وهو السياحة، خاصةً مع الأخذ بعين الاعتبار الموقع الجغرافي المميز لدبي والجاذب لسياح أوروبا وآسيا. لذلك استدعت الحكومة المهندسين الذين اتفقوا على إنشاء ناطحة سحابٍ فريدةٍ من نوعها.
نبذة عن برج خليفة:
بدأ بناؤه سنة 2003 وتم الانتهاء منه سنة ،2009 وقد بلغ ارتفاعه 828 م ويحتوي على 160طابقاً، وهو بذلك أطول برجٍ في العالم، وقد تم تصميمه ليكون مقصداً سياحياً.
المهندس المعماري المسؤول عن تصميمه هو أدريان سميث من شركة سكيدموري، أوينغس وميريل.
والمهندس الإنشائي هو ويليام بيكر. تم بناؤه بالخرسانة المسلحة مع تغطيته بهيكلٍ خارجيٍ مكونٍ من الزجاج والفولاذ.
صُمم بشكلٍ ذكيٍ ومستدامٍ ليواجه الحرارة العالية والحرائق والصواعق الرعدية.
مشاكل إنشائية واجهت المهندسين ساهمت في تكوين البرج (التصميم الإنشائي للبرج):
كان بناء برجٍ بهذا الارتفاع الشاهق والوزن الكبير بعض الصعوبات هي:
أولاً: طبيعة أرض دبي ومناخها:
كانت هذه عقبةٌ كبيرةٌ أمام المهندسين، ذلك لأن مبنىً بهذا الارتفاع والوزن الكبير سيغوص بالتأكيد في الأرض الرملية، ويؤدي إلى انهيارٍ كارثي، وبعد العديد من الدراسات توصلوا مع المهندس المعماري إلى:
1- تصميم المبنى على شكل حرف Y:
وذلك حتى يتوزع حمل البرج بأكمله على مساحةٍ واسعةٍ.
2-إنشاء أساس قويٍ يتحمل الوزن الكبير للبرج:
وذلك عن طريق القيام بأساساتٍ إسمنتيةٍ بسماكة 3.5 م ومدها تحت الأرض بعمق7م، ولضمان تثبيت الأساسات وعدم طوفها على سطح التربة الرملية قاموا بتدعيمه بـ194 ركيزةٍ إسمنتيةٍ قطر كل منها 1.5م، ومدوا عمقها تحت الأرض الرخوة حتى 50 م، وتأتي قوة الركائز هذه من قوة الاحتكاك بينهم.
ثانيا: مواد البناء المستخدمة ونقلها مع هذا الارتفاع
مع هذا الارتفاع كان من الصعب استخدام الفولاذ كما هو الحال في معظم ناطحات السحاب، لذا لجأ المهندسون لاستخدام الإسمنت، وذلك لقوته وجودة صناعة دبي له. وحتى يحققوا السرعة في البناء، ابتعدوا عن الصب التقليدي للإسمنت وفضلوا استخدام آلة الصب المتحركة، حيث يتم صب السمنت السائل داخلها، وبعد جفافه يتم تركيبه في المكان المخصص له، ثم يتم نقل الآلة للدور التالي وتكرار العملية.
وبسبب ارتفاع المبنى أيضاً كان هناك خوفٌ من تلف وتصلب الإسمنت لذلك تمت إضافة الجليد والخوالط (مواد كيميائية) إليه للحفاظ عليه حتى يصل للارتفاع المطلوب.
ثالثا: تأثير الرياح الشديدة على ثبات البرج:
قام الإنشائي ويليام بيكر بإنشاء مجسمٍ مصغرٍ للبرج واختبار قوة الرياح، وبعد العديد من المحاولات والدراسات توصل إلى التغيير في شكل البرج النهائي، حيث يضيق البرج كلما ارتفع، ويأخذ شكلاً لولبياً غير مسطحٍ ليكون في النهاية وكأنه عبارة عن عدة ناطحات سحابٍ مختلفة الشكل تم تركيبها فوق بعضها، مما يعمل على تشتيت الرياح عند اصطدامها بالمبنى وتعاملها مع عدة طبقاتٍ مختلفةٍ من البرج مما يقلل من تأثيرها.
التصميم المعماري للبرج:
كانت رؤية أدريان سميث أن التصميم المثالي للبرج يكون على شكل حرف Yوذلك لعدة أسباب وهي:
1. أنه هو التصميم المناسب لتحمل وزن البرج.
2. أنه هو الشكل مثالي للاستخدام السكني والفندقي.
3. مكنه من الاستلهام من العمارة الإسلامية حيث أنه يشبه القباب البصلية (البيضوية) التي تم استخدامها في العمارة الإسلامية.
4. مكنه أيضاً من الاستلهام من بيئة المكان حيث أنه يشبه زهرة (زنبقة) الصحراء والتي تنمو في دبي والمعروفة بقوتها وثباتها.
5. هذا الشكل مكنه أيضاً من زيادة الإطلالات الخارجية ودخول الضوء الطبيعي.
ودعم سميث أيضاً فكرة أن يكون البرج من الخرسانة المسلحة، وتتم تغطيته بألواحٍ من الزجاج والألمنيوم تأتي للموقع جاهزة للتركيب.
إن تغيير شكل البرج وضيقه كلما ارتفع مكّن سميث من إضافة مساحاتٍ واسعةٍ من التراسات على طول البرج.
ثانياً خدمات الماء والجاذبية:
مع صعوبة ضخ الماء بشكلٍ عموديٍ مع هذا الارتفاع، تم تخصيص 14 طابقٍ خدمي، في كلٍّ منهم توجد خزانات مياهٍ هائلة الحجم يتم ضخها نحو الأعلى بمساعدة أنابيب مياهٍ ضخمةٍ على مراحل، بعد ذلك تتحرك المياه إلى الأسفل بقوة الجاذبية نحو الصنابير والصهاريج.
ونظام الماء هذا معزولٌ صوتياً بشكلٍ كاملٍ حتى لا يسمع السكان تحركاتها.
ثالثاً: التنقل داخل البرج
كان من المستحيل استخدام الطرق التقليدية من مصاعد وسلالم مع هذا الارتفاع، لذلك تم تركيب 57 مصعداً منهم 8مصاعد مركزيةٍ تتوقف في طوابق محددةٍ (43-67-123)، حتى توفر السرعة في النقل، فيمكنك الوصول إلى أحد هذه الطوابق، ومنه أخذ مصعدٍ عادي يقوم بإيصالك إلى الطابق الخاص بك.
رابعاً مواجهة الحرائق:
تم تخصيص مصعدٍ بمثابة قارب إنقاذٍ للبرج، حيث يتحرك بين الـ 138 طابق بسرعةٍ، وقد تم تغليفه بإسمنتٍ عازلٍ للنيران.
وفي حال واجه السكان صعوبةً في الوصول سريعاً إلى المصعد، فقد قاموا بتأسيس ما يعرف بمناطق اللجوء أسفل السلالم في كل طابقٍ، وهي غرفٌ عازلةٌ للدخان ومقاومةٌ للنيران، ليحتمي بها السكان ريثما يتم نقلهم للمصاعد.
الاستدامةوالتكنولوجيا في برج خليفة:
تظهر استدامة وتكنولوجية برج خليفة في عدة جوانب:
أولاً الهيكل(الكسوة) الخارجية:
إن كثرة الزجاج يمكن أن ترفع الحرارة في البرج خاصةً في الصيف؛ لذلك تم استخدام نوعٍ خاصٍ من الألواح الزجاجية، وهي عبارة عن طبقتين، الخارجية منها مغطاةٌ بمعدنٍ يعكس حتى 70% من أشعة الشمس مما يحافظ على حرارة البرج، بالإضافة إلى بناء محطتي تبريد خارج الموقع لتامين الماء البارد للمكيفات في البرج.
في حال حدوث صاعقةٍ رعديةٍ، يحدث للهيكل الخارجي ظاهرة قفص الفاراداي، حيث يقوم بسحب الصاعقة من الخارج إلى الأرض، بعيداً عن الكهربائيات والأشخاص داخل البرج.