"تبدأ الهندسة المعماريّة حيث تنتهي الهندسة" والتر غروبيوس.
تعدُّ الهندسة المعمارية فنَّاً وعلماّ يهدف إلى تصميم وبناء المباني والمنشآت التي تلبي احتياجات البشر وتتوافق مع البيئة المحيطة. ومن بين الشخصيات المؤثِرة في مجال الهندسة المعماريّة، نجد المهندس المعماريّ والتر غروبيوس واحداً من أبرز الشخصيات التي أثّرت في هذا المجال.
والتر غروبيوس (Walter Gropius) ولد في العام 1883 في مدينة برلين في ألمانيا. وقد كان له دورٌ كبيرٌ في تأسيس حركةِ مدرسةِ الباوهاوس Bauhaus في عام 1919، والتي كانت تهدِفُ إلى توحيد الفنون التطبيقية والعمارة والتصميم الصناعيّ. وتُعَدُّ مدرسة الباوهاوس واحدة من أهم المدارس في تاريخ الهندسة المعماريّة والتصميم.
كان لدى والد والتر غروبيوس، اهتمامٌ كبيرٌ بالهندسة المعماريّة وكان عم غروبيوس، مارتن غروبيوس، مهندساً معماريّاً راسخاً، وكانت أكبر تكليفاته هي تصميم متحف الفنون الزخرفيّة في برلين (1881)، وبالتالي تم تشجيع اهتمام غروبيوس بالهندسة المعماريّة منذ صغره.
درس والتر غروبيوس الهندسة المعماريّة في المعاهد الفنية في ميونيخ (1903-1904)وفي برلين شارلوتنبورغ . (1905-1907) في عام 1908، انضم غروبيوس إلى مكتب المهندس المعماريّ الشهير بيتر بيرنس، أحدُ الشخصيّاتِ البارزةِ في التصميم الصناعيّ ومستشارٌ إبداعيٌّ لشركةٍ صناعيةٍ ألمانيةٍ كبيرةٍ .AEG هنا، شكّل غروبيوس اتصالات مع لودفيج ميس فان ديرروه، ولوكوربوزييه اللذين كان مقرّهما في نفس المكتب. أصبح عضواً في رابطة العمّال الألمانية. (Deutscher Werkbund) في عام1911، جادل غروبيوس عن تقنيات البناء مثل التصنيع المسبق للأجزاء والتجميع في الموقع.
توفي في 5 يوليو 1969 في بوسطن ماساتشوستس في الولايات المتحدة.
صمّم غروبيوس واجهة هذا المصنع مع أدولف ماير في فترة مغادرتهم مكتب بيتر بيرنز. يَخلقُ الزجاج الممتدُ من الأرض إلى السقف إحساساً بالضوء، والألواح المستطيلة الكبيرة، تجد الإشارة بشكلٍ خاصٍّ إلى الزوايا، حيث ينضم الزجاج بزوايا قائمة، مما يعطي الوهم بعدم الحاجة إلى الدعم. يعمل هذا على القضاء على التمييز بين الداخل والخارج، وهو موضوعٌ متكررٌ في العمارة الحديثة. وفي هذا التصميم رأى أنَّ استخدام الزجاج مفيدٌ لعمالِ المصانعِ، الذين سيتعرضونَ لمزيدٍ من الضوء والهواء النقيّ، مما كانوا عليه في مصانع الطوب المغلقة في القرن 19.
سومرفيلد هاوس (1921) برلين، ألمانيا:
بتكليفٍ من رجل الأعمال أدولف سومرفيلد كمقرِّ إقامته الخاص، كان SommerfeldHouse أول مثالٍ واسعِ النطاق لطريقة باوهاوس للتصميم التعاونيّ، ووحدة الأشكال الفنية. ساهمت جميع وُرَشِ عمل باوهاوس فايمار تقريباً في تصميم، وصنع المبنى وتصميماته الداخلية مع التصميم الذي أشرف عليه غروبيوس وأدولف ماير.
نصب تذكاري لقتلى المسيرة (1922)فايمار، ألمانيا:
هذا النَّصبُ التذكاريّ، هو نتيجةُ مسابقةٍأطلقتها نقابات فايمار لإحياء ذكرى أولئك الذين فقدوا حياتهم في معارضةِ انقلابِ كاب في مارس 1920. وكان هذا انقلاباً فاشلاً. اختارت لجنة المسابقة تصميم غروبيوس من بين العديد من الطلبات المقدمة، وأقامت النَّصبَ التذكاريّ في مقبرة فايمار المركزية. التصميم تجريديٌّ ومتصدّعٌ في شكله، ويُعتبرُ جزءًا من فترة غروبيوس التعبيرية القصيرة.
مبنى باوهاوس (1925-1926)ديساو، ألمانيا
واحدة من أهمّ أعمال والتر غروبويس،مدرسة الباوهاوس في مدينة ديساو بألمانيا، والتي صمَّمها عام 191 في عالمِ العمارة الحديثة، وتجسِّدُ مفهوم الحداثةِ والابتكار. تميّزت التصميمات في المدرسة بالأشكال الهندسيّة البسيطة والخطوط المستقيمة، وكانت تعكس روحاً جديدةً تِجاه التصميم المعماريّ.
مركز هارفارد للدراسات العليا (1949-1950) كامبريدج، ماساتشوستس، الولايات المتحدة الأميريكية:
تم تصميم مركز الدراسات العليا في جامعة هارفارد من قبل غروبيوس بالتعاون مع المهندسين المعماريين الأصغر سناً. تم بناء مجمّع المبنى لإيواء 575 طالبِ دراساتٍ عليا، ويتكون من مبنىً رئيسيٍّ، وسبعة مهاجعٍ وقاعة طعام، وغرفٍ ترفيهية. يحتوي على ميزاتٍ فريدةٍ نظراً لمبانيه السابقة، ومنها: النوافذُ الممتدة من الأرض حتى السقف تعطي إحساساً بالتهويةِ والخفَّةِ للمبنى. كما تم النظر في العلاقة بين المبنى والبيئة بشكل كبير في إنشاء ساحاتٍ داخليةٍ وممراتٍ مغطاة تربط الأجزاء الفردية من المجمّع.
من الناحية الأيديولوجية والفكرية، جَلَبَ المبنى مبادئ باوهاوس الرئيسية إلى بيئة دولية:
كانت خطوةً جريئةً لجامعة هارفارد، حيث لم يكن هذا أوّل مبنى حديث في الحرم الجامعيّ، ولكنَّه كان الأوّل لأيّ جامعة أمريكية كبرى في ذلك الوقت. وأثنى غروبيوس على هذا الدعم للأساليب الجديدة قائلاً:
"إذا أرادت الكلّية أن تكون أرضاً خصبةً ثقافيةً للجيل القادم، فيجبُ أن يكونَ موقفها إبداعياً وليس مُقلَّداً".
يمكنُ اعتبارُ المبنى نقطةَ تحولٍ في قبول الحداثة الدولية في الولايات المتحدة، وأكبر مشروعٍ عامٍّ لغروبيوس، منذ الهجرة إلى الولايات المتحدة.
في عام 1945 أسس والتر غروبيوس شركة معمارية تحت اسم TAC (The Architects collaborative )في كامبريدج، ماساشوستس.
من الأعمال التي قامت بها هذه الشركة، مركز جامعة هارفارد 1949-1950 والسفارة الأمريكية في أثينا 1956، وجامعة بغداد في 1960.
تم وضع تصاميم المخطط الأساسي لجامعة بغداد عام 1957، تم التخطيط لاستيعاب 18000 طالبٍ ومدرسٍ موظف في الجامعة، 273 بناءٍ، ومنها القاعة العامة التي تتسع ل 5000 شخص.
ومن أهمِّ خصائص المخطط أنَّه يحتوي على باحاتٍ كبيرةٍ وفعاليات أكاديمية. والأبنية قريبةٌ من بعضها البعض لتقليل مسافاتِ السير إلى الحد الأدنى، ومساحاتٍ كبيرةٍ ذات فضاءاتٍ مظللة للوقاية من أشعة الشمس.
كيف كان المعماريّ والتر غروبيوس يتبنى العديد من الأساسيات في التصميم المعماريّ؟
والتر غروبيوس كان من أوائل المعماريين الذين اعتمدوا على الأسس الأساسية في التصميم المعماريّ. وقد تميز بتطبيقه لمبادئ التصميم الوظيفية والجماليّة. فيما يلي بعض الأساسيات التي اعتمدها غروبيوس في تصميمه المعماريّ:
الوظيفية (Functionality):
كان غروبيوس يؤمن بأن التصميم المعماريّ يجب أن يكون عملياً، ويخدم الغرض الوظيفيّ للمبنى. كان يسعى لتحقيق تناسقٍ بين الوظيفة والتصميم، حيث يجب أن يتناسب شكل المبنى وتوزيعه الداخلي مع الاحتياجات والأنشطة المتوقعة.
التكنولوجيا (Technology):
كان غروبيوس يعتمد على استخدام التكنولوجيا المتقدمة والمواد الحديثة في تصميمه. كان يستفيد من التقنيات والمواد المبتكرة لتحقيق أهدافه المعماريّة وتحقيق المتانة والكفاءة في المباني.
التوازن الجمالي (Aesthetic Balance):
يعتبر غروبيوس من المدرسة الوظيفية في التصميم المعماريّ، حيث يسعى لتحقيق التوازن الجمالي بين الشكل والوظيفة. كان يهتم بإيجاد جماليةٍ في التصميم، بناءً على النِسَبِ والتوزيع المتوازن للعناصر المعماريّة واستخدام المواد بشكلٍ جميلٍ ومتناغمٍ.
المرونة والتغيير (Flexibility and Change):
كان غروبيوس يؤمن بأهمية إعطاء المباني المرونة، لتتناسب مع التغيّرات المستقبلية. كان يدعم استخدامَ أنظمةِ بناءٍ مرنةٍ وقابلةٍ للتعديل، تسمح بتعديل وتطوير المساحات المعماريّة وِفقاً للتطورات والاحتياجات الجديدة.
التكامل بين الفنون (Integration of Arts):
كان غروبيوس يعتقد بأنّ التصميم المعماريّ يجب أن يتضمن التكامل بين مختلف الفنون، مثل الفن التشكيلي والنحت والزخرفة. كان يهدف إلى تحقيق تجربةٍ متكاملةٍ، وجماليةٍ شاملةٍ لمستخدميّ المبنى.
تلك هي بعض الأساسيات التي اعتمدها والتر غروبيوس في تصميمه المعماريّ. تعتبر أفكاره ومفاهيمه الابتكاريّة جزءًا هامّاً من تاريخ التصميم المعماريّ الحديث.
والتر غروبيوس المعماريّ الذي غير مفهوم الهندسة، ومؤسس مدرسة باوهاوس، التي تغلغلت علومها في شتى بقاع العالم. قّدم غروبيوس نهجاً جديداً في العمارة، حيث كان يؤمن بأنّ التصميم المعماريّ يجب أن يكون وظيفيّاً وجماليّاً في الوقت نفسه. وتتميز أعماله بالبساطة والأناقة واستخدام المواد الحديثة والتقنيات الجديدة.
تشمل بعض أعمال غروبويس البارزة مبنى مدرسة باوهاوس في ديسا، والذي يُعَدُّ رمزاً للتصميم الحديث والوظيفية. كما شارك في تصميم العديد من المباني السكنيّة والتجاريّة والصناعيّة في أنحاءٍ مختلفةٍ من العالم، مثل مصنع فاجوس ومركز هارفارد للدراسات العليا. حصل على الميدالية الذهبية للأكاديمية العربية الدولية، وتأثرت منطقةُ الشرق الأوسطِ بأعماله ومنها جامعة بغداد.
تحليلٌ معماريٌّ لمبنى مدرسة باوهاوس :
نُقلَ باوهاوس من فايمار إلى مدينة ديساو الصناعيّة، زُوِّدَ غروبيوس بموقعٍ فارغٍ لبناء حرمٍ جامعيّ يجسد مبادئ المدرسة. في اختياره للمواد والتصميم، طوّر غروبيوس أفكاراً تم تعزيزها لأوّل مرةٍ في مصنع Fagus في ساكسونيا، واستخدم في جميع المباني موادٍّ صناعيّةٍ جديدةٍ مثل الخرسانة المسلحة، وهي هندسية في التصميم مع أسقف مسطحة.
بالإضافة إلى ذلك، تم تصميم كلُّ مساحةٍ بعنايةٍ لتعكس وظيفتها. يتميز جَناحُ ورشةِ العملِ المكوّن من ثلاثة طوابق، بجدار ستارةٍ زجاجيٍّ يجلس على إطارٍ فولاذيّ، مما يضمن إضاءة ورش عمل جيدة، مع تقديم فكرةِ المدرسةِ كمُختبرٍ تجريبيّ للتقنيات الجديدة وطرق الإبداع. تم تصميم التصميمات الداخليّة لجناح ورشة العمل لتكونَ حرة التدفقِ وتشجعُ الترابط والحركة، في حين أنَّ المساحات الكبيرة بها جدرانٌ فاصلةٌ متحركةٌ للتعلُّمِ المرنِ. تم تصميم وإنتاج جميع التركيباتِ والتجهيزاتِ الداخليّة في ورش باوهاوس، وبناءِ المجتمعِ وتشجيع التعاون بين الإدارات.
مبنىً من خمسةِ طوابقٍ يستوعِبُ الطلابَ والأساتذة الصغار في 28 شقة، استوديو مع شرفاتٍ صغيرةٍ ناتئةٍ. بعيداً عن الموقع الرئيسيّ، صَمَّمَ غروبيوس منازل لأساتذة باوهاوس وعائلاتهم. في الأصل كان Gropius ينوي بناء هذه المكونات باستخدام مكونات مسبقة الصنع بالكامل، على الرغم من أنّه بسبب القيود الفنية، لم يتحقق هذا المخطط إلا جزئياً. منازل الماجستير مصنوعة من مكعبات متشابكة من ارتفاعاتٍ مختلفةٍ وكل واحدٍ يحتوي على استوديو مع نوافذ كبيرة وشرفة.
.svg){kind=small}
.avif)
.avif)
.avif)
.avif)
.avif)
.avif)