في إطار مؤتمر دافوس الاقتصادي الأخير، أثار تصريحٌ لوزير الخارجية السوري اهتمامًا لافتًا، حيث أشار إلى أن سوريا ستستلهم مسارها المستقبلي من نموذجَي "رؤية السعودية 2030" وتجربة سنغافورة التنموية. يأتي هذا التصريح في سياق بحث سوريا عن رؤى استراتيجية تدمج بين التعافي الاقتصادي والتحديث العمراني، خاصة بعد سنوات من النزاع الذي أضر بالبنى التحتية والنسيج الاجتماعي. فكيف يمكن لهذه النماذج أن تشكل مصدر إلهام لإعادة إعمار سوريا من منظور هندسي معماري؟
تُمثل "رؤية السعودية 2030" خارطة طريق طموحة لتحويل الاقتصاد من الاعتماد على النفط إلى نموذج متنوع يعتمد على الاستثمار في الصناعات غير النفطية والخدمات الحديثة. ومن أبرز المشاريع الهندسية التي تندرج تحت هذه الرؤية مدينة "نيوم" الذكية، التي تُصمم لتكون نموذجًا للمدن المستدامة، معتمدةً على الطاقة المتجددة وتقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة المرافق.
بالنسبة لسوريا، قد توفر هذه الرؤية إطارًا لبناء مدن جديدة ذات كفاءة، أو إعادة تأهيل المدن المتضررة عبر تبني معايير الاستدامة. كما أن التركيز السعودي على خصخصة بعض القطاعات الحكومية قد يُلهم سوريا لاجتذاب استثمارات أجنبية في مشاريع البنى التحتية، مثل شبكات النقل الحديثة أو أنظمة إدارة النفايات.
من جهة أخرى، تقدم سنغافورة دروسًا في التخطيط العمراني المتكامل، حيث حوّلت نفسها من دولة فقيرة الموارد إلى مركز عالمي للتجارة والابتكار. اعتمدت سنغافورة على سياسات إسكانية ذكية، مثل برنامج "هيئة الإسكان التنموي" (HDB)، الذي وفر مساكن ميسورة لـ80% من السكان، مع دمج مرافق عامة ومساحات خضراء داخل الأحياء لتعزيز التفاعل المجتمعي.
في السياق السوري، يمكن لهذا النموذج أن يُسهم في معالجة أزمة الإسكان الناجمة عن النزاع، عبر بناء مجمعات سكنية متكاملة الخدمات، تُراعي الكثافة السكانية وتوزيع المساحات العامة بشكل عادل. كما أن نظام النقل الجماعي الفعّال في سنغافورة (MRT)، الذي يعتمد على شبكة مترو متطورة وحافلات ذكية، قد يكون نموذجًا لإعادة بناء شبكات النقل السورية المدمرة.
رغم الإمكانات النظرية لهذه النماذج، فإن تطبيقها في سوريا يواجه تحديات جذرية. أولها حالة البنى التحتية المُتداعية، والتي تتطلب استثمارات هائلة. ثانيًا، تحتاج سوريا إلى إصلاحات مؤسسية جذرية لضمان الشفافية في إدارة المشاريع، وهو ما نجحت فيه سنغافورة عبر مؤسسات حوكمة رصينة.
يجسد هذا الخبر رؤى وتطلعات قد تُشكل إطاراً مرجعياً لإعادة إعمار سوريا، لكنه لا يعكس بالضرورة الواقع الحالي أو التطورات المستقبلية، والتي ستظل رهناً بالعوامل السياسية والاقتصادية. ربما تكون رؤية 2030 وسنغافورة مصدرًا للأفكار، لكن المفتاح الحقيقي يكمن في صنع نموذج سوري فريد، يوائم بين الحداثة وترميم الذاكرة المعمارية للبلد.